(سجلت آخر إحصائية للجنة الوطنية للسلامة المرورية 1428 وفاة 140 معلمة.. وإصابة (591) بعد تعرضهن لـ 119حادثًا في طريق سفرهن لمدارسهن.. التي يعملن بها خارج مدن سكنهن)
تخرج السيارة من قلب المدينة في جوف ليل حالك طويل ...لاصبح له....تحمل معلمات ودفاتر وهموم وهواجس آخرى... وما أن تستقر على طريق السفر الطويل ....وفجأة....
يخرج جمل سائب ليعترض طريق المركبة يحاول السائق أن يتفاداه... ولات حين نجاة.. تنحرف المركبة يمينًا ...يسارًا... ثم.... تنقلب ...وتحلق عاليًا ومعها تحلق أرواح الراكبات والسائق إلى بارئها.... شظايا ودماء يتحول كل شيء في المكان..
تتسابق الصحف في نشر الخبر بسيناريوهات مختلفة...
وفصل جديد في مسلسل حوادث المعلمات... المسلسل المأساة...يعاد بكل تفاصيله كل حين..
الحزن يخيم على أمكنة عرفتهن وأمكنة لم تعرفهن...يخرج ذلك اليوم ملونًا بالحزن...حزن الطابور والإذاعة الصباحية عليهن... وحزن دفتر الحضور والانصراف وهو ينتظر توقيعهن.. فجيعة تلميذاتهن..وزميلاتهن... ومديرتهن التي طالما شاكستهن في التأخر والانصراف...
دماءهن الطاهرة... تغطي سجل التحضير.. هذا الدفتر الهم....اليوم يموت بموتهن..
لا يدرك حجم المعاناة إلا من عايشها... ولكن أن تنتهي معاناتك بمأساة فتلك قصة آخرى..
F f f
ليست مسؤولية وزارة التربية.. مسؤوليتها تبدأ وتنتهي بتقديم مراسم العزاء لذوي المتوفيات.. والوزارة لا تستطيع دفع الموت عن هالك حتى وإن كان أحد أبنائها أو بناتها..
وليست مسؤولية وزارة النقل لأنها قد سوت الطرق وعبدتها ومدتها إلى كل قرية وهجرة نائية.. بمواصفات عالية....وعلامة جودة......!
ذبحتنا البيروقراطية ونحن أحياء ...ومشت على جثثنا ونحن موتى...!
من سرق أحلامهن..؟؟
فهذه تحمل ورقة نقلها بعد عشر سنين من الاغتراب...
وتلك تحمل خطاب تعيينها..ولما تفتتح حياة جديدة ....
وتلك عروس لما تكمل شهرها....وتلك أم خرجت ولما تودع صغارها..
وتلك ابنة وحيدة ينتظرها أبواها الكبيران...
وتلك وتيك...وهي وهن....
وقد تعلمنا أن نون النسوة أقل قدرًا من ميم الجمع لذا يستمر راتب المعلم المتوفى ويقطع راتب المعلمة المتوفاة..
هؤلاء المتوفيات..أما من تقدر لهن الحياة بعد الحادث فمأساتهن تفتح فصلاً آخر في الجرح ..
فبعضهن تصاب إصابة بليغة,,في الرأس أو العمود الفقري..وتظل في رحلة علاج طويلة وربما مدى الحياة تفقد معها بريق حياتها وشبابها.. ووظيفتها.. رسمية كانت أو متعاقدة، ووضع المتعاقدة أسوأ في هذه الحالة ..
ولا تتكفل الوزارة بعلاجها على حسابها.. أو حتى متابعة حالتها..
الوزارة... الوزارة..
كفاكم إزعاجًا للوزارة..فلديها من المشاغل مايكفيها...ابتداء بتطوير التعليم ومرورًا بتحسين البيئة التعليمية لراحة المعلم والطالب وليس انتهاء بتعميم التعليم الإلكتروني على كل مدرسة في كل هجرة وقرية..
فلا تزعجوها بأقلامكم وحناجركم.. ومطالبكم الأفلاطونية ومقترحاتكم اليوتوبية... ولا تنبشوا كثيرًا في التفاصيل لأن الشيطان يكمن في التفاصيل..!
نحن لا نطلب من الوزارة أن تجترح معجزة لتحل بها القضية..
نعلم أنها قضية معقدة ومتشابكة ولن تحلها فقط النوايا الطيبة..
ولكن أن يؤخذ الموضوع باهتمام أكبر.... وأن تطرح القضية كمشكلة وطنية.. يطلب من الجميع دراستها ووضع مقترحات لحلها.. لأنها مشكلة الجميع وقضية الجميع.. وألم الجميع...
نحتاج بعض قرارت جديدة جريئة ومعلنة.. علها تخفف من حجم المعاناة: مثل أن تعفى معلمات القرى النائية من الحصة الأولى والأخيرة..حتى لا يحلق السائقون على الإسفلت صباحًا (استباقًا للخط الأحمر).. وحتى لا يحلقوا ترقبًا للراحة المتأخرة مساء..هذه قطرة من بحر الهم...
وتبقى المتوفيات شهيدات الوطن نحسبهن كذلك والله حسيبهن... يبقين ذكرى مشرفة لكل معلمة وعلامة مضيئة لبنات هذا الوطن.. ليرحمهن الله ... ...وليسامحنا نحن..
مجلة المعرفة الأرشيفية - العدد 179